Skip to main content

اكتشاف الحمض النووي و استخدامه في التحقيق الجنائي DNA


                   
العلم والعداله
لا شك ان التقدم العلمي الكبير الذي حدث خلال العقود الماضيه في مجال البيولوجيا الجزيئيه قد فتح افاقا حدودها السماء ساهمت بالكشف عن اسرار لم يخطر ببال الكثير منا ان نشهدها, بل الحقيقه ان معظمنا لايزال غير قادرا على تخيلها. احد اهم الاكتشافات للاسرار البشريه  يكمن في جزي صغير يختبئ في نواه الخليه يسمى الحمض النووي   (DNA).  يختزن هذا الجزىء جميع الجينات الوراثيه التي تورث عبر الاف الاجيال, ويشكل ترتيب بعض الجينات شيفره وراثيه خاصه بكل فرد لتصبح بصمه فريده تحدد هويته بدقه متناهيه .  لقد استطاع العلم في عام 2004من فك الشيفره الوراثيه للانسان, واعتبر هذا الحدث من اهم الانجازات العلميه التي ساهمت ليس فقط في اكتشاف مسببات العديد من الامراض الوراثيه بل وفي احقاق العداله في كثير من القضايا الجنائيه, حيث اصبحت البصمه الوراثيه هي الاساس للكشف عن الجناه بدلا من بصمه الاصبع التي يمكن اخفاءها في كثير من الجرائم بقفاز.
البدايه
بالرغم من ان فك اشيفره الوراثيه كاملا كان في العام 2004, الا ان العمل على هذا الجزيء بدا قبل ذلك بكثير في جميع انحاء الدول الاوروبيه والولايات المتحده الامريكيه ولكن تلك الابحاث كانت في بداياتها ولم يصدف ربط لاي جريمه جنائيه بالحمض النووي قبل العام 1987 ويعود الفضل في ذلك الى البروفيسور البريطاني اليك جون جيفريز والذي استطاع في العام 1980 من تطوير تقنيه البصمه الوراثيه والتعرف على هويه الاشخاص من خلال تلك البصمه. ويمكن الحصول على الحمض النووي من جميع سوائل الجسم وخلاياه وانسجته والشعر. ويعتبر الجمض النووي جزئ ثابت ثابت يحتمل التغيرات البيئيه وقد امكن تحديد التكوين الجيني لعدد من الموميات بعمر الاف السنين.



البروفيسور جيفريز


الجريمه بلاعقاب
في الواحد والعشرين من تشرين الثاني عام 1983غادرت الطالبه ليندا مان وعمرها خمسه عشر سنه منزلها لزياره صديقه لها ولم تعد ابدا الى المنزل. في اليوم التالي تم العثور عليها ملقاه على ناحيه في الطريق في احدى قرى ليكسترشيار في بريطانيا. وبعد التشريح تبين ان الضحيه قد تم اغتصابها ثم خنقها من قبل الجاني.لم تستطيع الشرطه في ذلك الوقت ان تتوصل لاي دليل عن هويه الفاعل بل لم يعثر حتى على بصمات وكل ما تم عمله في المختبر الجنائي هو التعرف على فصيله دم الجاني من خلال السائل المنوي الذي تم الاحتفاظ به خلال السنوات المقبله التي مضت دون ان تحل الجريمه. وفي العام 1986 تم العثور على جثه اخرى لفتاه في نفس العمر تم اغتصابها وخنقها بنفس الطريقه وفي نفس المكان واثبت السائل المنوي انه يعود لنفس فصيله الدم للجاني في الجريمه الاولى ومن هنا بدت الشرطه متاكده بان الجاني في القضيتين واحد وانهم امام قاتل متسلسل. وقفت الشرطه عاجزه امام القضيه وازدادت الضغوطات من المجتمعات المحليه تطالب بالقبض على الجاني وتقديمه للعداله.
الوجه الحمضي للعداله
امام تلك الجرائم البشعه, خطر ببال رئيس الشرطه ان هناك عالم في الجامعه يعمل على تعريف الحمض النووي للافراد ومع ان رئيس الشرطه لم يكن يعرف الكثير عن الموضوع الا ان ياسه جعله يتصل بالبروفيسور جيفريز الذي قدم خدماته دون تردد لحل هذه القضيه, اخذ الدكتور جيفريز عينتي السائل المنوي وقام بتحليل الحمض النووي الذي اثبت ان الجاني في كلتي الجريمتين هو نفس الشخص وهذا ما كانت الشرطه متاكده منه, ولكن الجزء الاصعب الان هو التعرف على هويه الجاني من خلال الحصول على عينه منه شخصيا. وفي قرار اعتبر من اجرا القرارات المتخذه في البحث الجنائي, قررت الشرطه العمل على اصطياد الجاني من خلال اجبار جميع الرجال من عمر 18-48 بتقديم عينه دم ليتم مطابقتها مع عينه الجاني وقد كانت الشرطه متاكده ان الجاني من السكان المحليين نظرا للنمط المتكرر للجريمه. بالفعل تقدم حوالي الاربعه الاف  رجل للفحص ورغم التكاليف الكبيره للفحص وعدم وجودعدد كاف من الخبراء لعمل هذا الفحص(فقط سته افراد) تم تحليل جميع العينات واستغرق ذلك قرابه العام. ولخيبه امل الجميع لم يظهر المسح الجيني اي تطابق  مع اي من الافراد المتقدمين.
في العام 1987 اي بعد خمس سنوات من الجريمه الاولى وسنه من الجريمه الثانيه تقدمت احدى المواطنات في نفس المنطقه للشرطه ببلاغ احدث نقطه تحول في القضيه اذ اخبرت تلك المواطنه الشرطه انها وفي احد المناسبات مع الاصدقاء تحدث احدهم انه قد تلقى مبلغ مئتي باوند لقاء اعطاءه عينه دم بدلا من احد اصدقاءه. كانت تلك لحظه الامل والحلم لشرطه تلك المدينه التي دمرها الاحباط والياس. تم استدعاء ذلك الشخص والتحقيق معه حتى اعترف باسم صديقه وتم القبض عليه واخذ عينه من دمه الذي جاء الحمض النووي مطابقا تماما للحمض النووي من الجاني. تم التعرف غلى القاتل كولين بيتشفورك من السكان المحليين وهو مدان سابق وتم الحكم عليه بالسجن مدى الحياه. بعد نلك الجريمه تحولت انظار العالم الى الحمض النووي وتقدم علم البحث الجنائي بحيث استطاع ان يحل جرائم لم تحل منذ خمسين عاما واحقاق العداله بعد ان يأس اهل الضحايا من احقاقها.

القاتل كولين بيتشفورك 

في عام 2004 وقع الرئيس الامريكي جورج بوش وثيقه " العداله للجميع" والذي ينص على اجبار جميع المحكومين ولو حتى بجنح بسيطه باعطاء عينه حمض نووي لحفظها في بيانات الشرطه لاجل بناء منظومه معلوماتيه لجميع الاشخاص اللذين قد يشكلون خطرا على المجتمع مما يسهل تعقبهم وتعقب الافعال الجنائيه التي 
قد تصدر عنهم.

--------------------------------------------------------- 
د. لميس السويطي اللوزي
اختصاصيه علم المناعه والدم
مختبر المؤتمن الطبي 

---------------------------------------------------------